3.9.15

كــــرم العــــرب


كــــرم العــــرب


     يحكى أن رجلا اسمه سعيد بن سالم الباهلى ، قال :" اشتد بى الحال فى زمن هارون الرشيد واجتمع على ديون كثيرة أثقلت ظهرى وعجزت عن قضائها وبقيت متحيرا لا أدرى  ما أصنع فأحاطت ببابى اصحاب الديون ، وتزايد على المطالبون بالديون ، ولازمنى الغرماء فضاقت حيلتى وازدادت فكرتى .
     فلما رأيت الأمور متعسرة والأحوال متغيرة ، قصدت عبد الله بن مالك الخزاعى والتمست منه أن يمدنى برأيه ويرشدنى إلى باب الفرج بحين تدبيره ، فقال : " لا يقدر أحد على خلاصك من محنتك وهمك وضيقك وغمك غير البرامكة " فقلت :" ومن يقدر على احتمال تكبرهم ويصبر على تجبرهم ؟" فقال:" تحمل ذلك لأجل إصلاح حالك ". فنهضت من عنده ومضيت إلى الفضل وجعفر أولاد يحى بن خالد البرمكى وقصصت عليهما قصتى وأبديت لهما حالتى ، فقالا :" أسعدك الله بعونه وأغناك عن خلقه بمنه وأجزل لك عظيم خيره وقم لك بالكفاية دون غيره ".
     فانصرفت من عندهما ورجعت إلى عبد الله بن مالك ضيق الصدر متحير الفكر منكسر القلب ، وأعدت عليه ما قالاه فقال :" ينبغى أن تقيم اليوم عندنا لننظر ما يقدره الله تعالى ". فجلست عنده ساعة وإذا بغلامى قد أقبل وقال :" يا سيدى إن ببابنا بغالا كثيرة بأحمالها ومعها رجل يقول : أنا وكيل الفضل وجعفر ابنى يحى " فقال عبد الله بن مالك :" أرجوا أن يكون الفرج قد أقبل عليك فقم وانظر ما الشأن "، فنهضت من عنده وأسرعت إلى بيتى ، فرأيت ببابى رجلا معه رقعة مكتوب فيها : " إنك لما كنت عندنا وسمعنا كلامك توجهنا بعد خروجك إلى الخليفة ، وعرفناه بحالك فأمرنا أن نحمل إليك من بيت المال مائة ألف درهم ، فقلنا له : هذه الدراهم يصرفها إلى غرمائه ويؤدى دينه ، فأمر لك بثلاثمائة ألف درهم أخرى ، وقد حمل إليك كل واحد منا من خالص ماله ألف ألف درهم لتصلح بها أحوالك ".

     فانظر إلى هذا الكرم .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق