6.9.15

يوضع سره فى أضعف خلقه(حكاية المجذوم )


يوضع سره فى أضعف خلقه 

حكاية أبى حسن الدراج مع أبى جعفر المجذوم



     يحكى أن أبا الحسن الدراج قال : كنت كثيرا ما آتى مكة زادها الله شرفا ، وكان الناس يتبعوننى لمعرفتى بالطريق وحفظ المناهل . فاتفق فى عام من الأعوام أنى أردت الوصول إلى بيت الله الحرام ، وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام ، وقلت فى نفسى : أنا عارف بالطريق فأذهب وحدى . ومشيت حتى وصلت إلى القادسية فدخلتها وأتيت المسجد فرأيت رجلا مجذوما جالسا فى المحراب ،  فلما رآنى قال : يا أبا الحسن أسألك الصحبة إلى مكة ؟ فقلت فى نفسى : إنى فررت من الأصحاب وكيف أصحب المجذومين ثم قلت له : إنى لا أصحب أحدا . فسكت عنى . فلما أصبح الصباح مشيت فى الطريق وحدى ، ولم أزل منفردا حتى وصلت إلى العقبة ودخلت المسجد . فلما دخلته وجدت الرجل المجذوم فى المحراب فقلت فى نفسى : سبحان الله كيف سبقنى هذا إلى ههنا ، فرفع رأسه إلى وتبسم وقال : يا أبا الحسن يصنع الضعيف ما يتعجب منه القوى ، فبت تلك الليلة متحيرا مما رأيت . فلم أصبحت سلكت الطريق وحدى ، فلما وصلت إلى عرفات وقصدت المسجد إذا الرجل جالس فى المحراب فتراميت عليه وقلت له : يا سيدى أسألك الصحبة وجعلت أقبل قدميه ، فقال : ليس لى إلى ذلك سبيل . فجعلت أبكى وأنتحب لما حرمت من صحبته ، فقال : هون عليك فإنه لا ينفعك البكاء وإجراء العبرات .
     فانصرفت من عنده وكنت بعد ذلك لا آتى منهلا إلا وجدته قد سبقنى . فلما وصلت إلى المدينة غاب عنى أثره وعمى على خبره ، فلقيت أبا يزيد البسطامى وأبا بكر الشبلى وطوائف الشيوخ وأخبرتهم بقصتى وشكوت إليهم قضيتى فقالوا : هيهات أن تنال بعد ذلك صحبته ، هذا أبو جعفر المجذوم بحرمته تستسقى الأنواء ، وببركته يستجاب الدعاء .
     فلما سمعت منهم هذا الكلام زاد شوقى إلى لقائه وسألت الله أن يجمعنى عليه ، فبينما أنا واقف بعرفات فإذا بجاذب يجذبنى من خلفى ، فالتفت إليه فإذا هو ذلك الرجل فلما رٍأيته صحت صيحة عظيمة ووقعت مغشيا على ، فلم أفقت ما وجدته فزاد وجدى لذلك وضاقت على المسالك ، وسألت الله تعالى رؤيته ، فلم يكن إلا أيام قلائل وإذا به يجذبنى من خلفى فالتفت إليه فقال : عزمت عليك أن تأتينى وتسأل حاجتك فسألته أن يدعو لى ثلاث دعوات : الأولى : أن يحبب الله إلى الفقر ، والثانية أن لا أبيت على رزق معلوم والثالثة : أن يرزقنى النظر إلى وجهه الكريم . فدعا لى هذه الدعوات وغاب عنى . وقد استجاب الله دعاءه لى ، أما الأولى فإن الله حبب إلى الفقر فوالله ما فى الدنيا شئ هو أحب إلى منه وأما الثانية فإنى منذ كذا سنة ما بت على رزق معلوم ومع ذلك لا يحوجنى الله إلى شئ ، وإنى لأرجو أن يمن الله على بالثالثة ويكون قد أجاب فيها كما أجاب الاثنين قبلها إنه كريم مفضال .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق