30.9.15

كيد النساء(إن كيدهم عظيم)



كيد النساء(إن كيدهم عظيم)


يحكى ان امرأة من بنات التجار كان لها أخ وحيد وفى يوم من الايام تشاجر اخاها مع رجل فشكاه الى والى البلدة فسجنه ، فبلغ الخبر اخته فطار عقلها عليه فقامت ولبست افخر ما عندها من الملابس ومضت الى منزل الوالى فسلمت عليه واعطته ورقة مكتوب فيها ان الرجل الذى سجنته وحبسته هو أخى فلان الذى تشاجر مع الجماعة الذين شهدوا عليه وقد شهدوا باطلا ، وقد سجن فى سجنك وهو مظلوم وليس عندى من يقوم بحالى غيره وأسأل من فضل مولانا إطلاقه من السجن . فلما قرأ الوالى الورقة نظر إليها وقال لها :" ادخلى المنزل حتى أحضره بين يدى ثم أرسل إليك فتأخذينه " فقالت له :" يا مولانا ليس لى أحد إلا الله تعالى وأنا امرأة غريبة لا أقدر على دخول منزل أحد ". فقال لها الوالى :" لاأطلقه حتى تدخلى المنزل ". فعلمت إنه يريد بها سوءا فقالت له :" إن أردت ذلك فلا بد أن تحضرعندى فى منزلى وتستريح نهارك كله ". فقال لها :" وأين منزلك ؟" فوصفت له العنوان ، ثم خرجت .
     فلما خرجت من عنده دخلت على قاضى البلد وقالت له :" يا سيدنا القاضى ". قال لها :" نعم ". قالت له ٍ:" انظر أمرى وأجرك على الله تعالى ". فقال لها :" من ظلمك ؟" فقالت له :" يا سيدى لى أخ وليس لى أحد غيره وهو الذى كلفنى الخروج إليك لأن الوالى قد سجنه وشهدوا عليه بالباطل أنه ظالم ، وإنما أطلب منك أن تشفع لى فيه عند الوالى ". فلما نظرها القاضى قال لها :" ادخلى المنزل عند الجوارى واستريحى ساعة ونحن نرسل إلى الوالى أن يطلق أخاك ولو كنا نعرف الدراهم التى عليه كنا دفعناها من عندنا لأنك أعجبتنا من حسن كلامك". فقالت له :" إذا كنت أنت يا مولانا تفعل ذلك فما نلوم الغير ". فقال لها القالضى :" إن لم تدخلى منزلنا فاخرجى إلى حال سبيلك ". فقالت له :" إن أردت ذلك يا مولانا فلا بد أن تشرفنى فى منزلى " فقال لها القاضى :" وأين منزلك ". فوصفت له العنوان ، وواعدته على اليوم الذى واعدت فيه الوالى .
    ثم خرجت من عند القاضى إلى منزل الوزير فرفعت إليه قصتها وشكت إليه ضرورة أخيها وأنه سجنه الوالى ، فطلب منها الوزير كما طلب منها القاضى والوالى ، فقالت له :" إن أردت شرفنى فى منزلى "فسألها الوزير على بيتها فوصفته له وواعدته فى نفس اليوم الذى واعدت فيه القاضى والوالى . ثم خرجت من عنده إلى ملك تلك المدينة ورفعت إليه قصتها وسألته على إطلاق أخيها . فقال لها :" من حبسه ؟" قالت له : " حبسه الوالى ". فلما سمع الملك كلامها فطلب منها الملك ما طلبه جميع الرجال ، فطلبت منه ان يحضر الى بيتها ،
ثم إنها خرجت من عنده فجاءت إلى رجل نجار وقالت له :" أريد منك أن تصنع لى خزانة بأربع طبقات بعضها فوق بعض كل طبقة بباب يقفل عليها وأخبرنى بقدر أجرتك فأعطيك". فقال لها :" أربعة دنانير وإن أنعمت على أيتها السيدة المصونة بزيارتك فهو الذى أريد ولا أخذ منك شيئا ." فقالت له :" إن كان لا بد من ذلك فاعمل لى خمس طبقات بأقفالها ". فقال لها النجار :" يا سيدتى اجلسى حتى تأخذى حاجتك فى هذه الساعة وأنا بعد ذلك أتى إليكى ". فجلست عنده حتى صنع لها خزانة بخمس طبقات وانصرفت إلى منزلها فوضعتها فى المحل الذى فيه الجلوس ، ثم أخذت أربعة ثياب وحملتها إلى الصباغ فصبغ كل ثوب لون وكل لون خلاف الاخر وأقبلت تجهز الأكل والمشروب والفواكه الطيبة .
     فلما جاء يوم الميعاد لبست أفخر ملبوسها وتزينت وتطيبت . ثم فرشت المجلس بأفخر أنواع الفرش ، وجلست تنتظر من يأتى وإذا بالقاضى قد دخل عليها قبل الجميع ، فلما رأته قامت ورحبت به وأخذته وأجلسته : فقالت له : " يا سيدى اخلع ثيابك وعمامتك والبس هذا الثوب الاصفر لترتاح فيه واجعل هذا القناع على رأسك حتى أجهز لك الاكل والشراب ". فأخذت ثيابه وعمامته ولبس الثوب الذى اعطته اياه ، وإذا بطارق يطرق الباب . فقال لها القاضى :" من هذا الذى يطرق الباب ؟" فقالت له :" هذا زوجى "فقال لها :" وكيف العمل وأين أذهب ؟" فقالت له :" لا تخف إنى أدخلك هذه الخزانة ". فقال لها :" افعلى ما بدا لك ". فأخذته من يده وأدخلته فى الطبقة السفى وأغلقت عليه الخزانة ". ثم إنها خرجت إلى الباب وفتحته وإذا هو الوالى .
     فلما رأته رحبت به ودخلته وأجلسته وفعلت معه مثلما فعلت مع القاضى أخذت ثيابه وأعطته ثياب أخرى لونها أحمر ، وطلب منه أن يكتب ورقة بإطلاق أخيها من السجن حتى يطمئن قلبها ، فكتب كتابا الى الخازندار يقول له :" ساعة وصول هذا المكتوب إليك تطلق سراح فلانا من غير إمهال ولا إهمال ولا تراجع حاملها بكلمة ". ثم ختمها وأخذتها منه . وإذا بطارق يطرق الباب فقالت له :" ادخل هذه الخزانة فأخذته وأدخلته فى الطبقة الثانية وأغلقت عليه . كل هذا والقاضى يسمع كلامها .
ثم خرجت لتفتح الباب فوجدت الوزير فرحبت به وأدخلته وفعلت معه مثلما فعلت مع الذى قبله وأعطته ثوب أزرق وإذ هم يتكلمون طرق الباب ، قالت له :" ادخل هذه الخزانة حتى أصرف زوجى وأعود إليك ولا تخف ". ثم إنها ادخلته الطبقة الثالثة وأغلقت عليه وخرجت لتفتح الباب فوجدت الملك فرحبت به ترحيبا شديدا وأدخلته وأجلسته وأخذت ثيابه الباهظة الثمن وأعطته ثوب باليا رخيص الثمن ، هذا كله والجماعة فى الخزانة يسمعون ولا يستطيعون الكلام فبينما هى والملك يتحدثان إذا بطارق على الباب فقال الملك :" من هذا ". قالت :" زوجى ". فأخذته من يده وادخلته الطبقة الرابعة واغلقت عليه ، وذهبت لتفتح الباب فوجدت النجار فادخلته وقالت له :" إى شئ هذه الخزائن التى صنعتها ؟" قال النجار :" ما بها يا سيدتى ؟" قالت له :" ادخل وانظرها فإنها لا تسعك ". فقال لها :" هذه تسع أربعة ". ثم دخل النجار ، وقفلت عليه الطبقة الخامسة . ثم إنها أخذت الورقة ومضت بها الى السجن لتطلق سراح اخيها ، فلما خرج اخوها اخبرته بما فعلته ، فقال لها :" وما العمل الان ؟" قالت له :" نخرج من هذه البلدة إلى مدينة أخرى وليس لنا عيش فيها بعد ذلك ". ثم جهزا ما كان عندها وحملاه على الجمال وسافرا الى مدينة اخرى .
     وبعد ثلاثة أيام فى الخزانة بدون اكل وشرب فانحصروا وقضوا حاجتهم على بعضهم (اعزكم الله ) وكل واحد يشتكى من هذا الامر يعلم من هو المحبوس فى الخزانة التى فوقه فقال الوزير :" لعن الله هذه المرأة بما فعلت معنا أحضرت جميع أرباب الدولة عندها ما عدا الملك . فلما سمعهم الملك قال لهم :" اسكتوا فأنا اول من وقع فى شبكة هذه المرأة " .

    فلاحظوا الجيران ان المنزل خاليا لا يوجد به احد واجمعوا على ان يكسروا الباب ليروا ماذا يحدث لعل اصحاب البيت توفاهم الله ، فلما دخلوا وجدوا خزانة من خشب وبها رجالا تئن من الجوع والعطش فظنوا انها مسكونة فاجمعوا على ان يجمعوا حطبا ويحرقوها فصاح عليهم القاضى لا تفعلوا ذلك ، وقرأ شيئا من القران الكريم فاقتربوا من الخزانة وفتحوها فلما طلعوا من الخزانة ظهروا كانهم مهرجون بالثياب الملونة الذى عليهم وعندما طلبوا المراة لم يجدوها ابدا، فحقا ان كيدهن عظيم ، فلا تستهين بالنساء ابدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق