12.9.15

الوالى والشاهد السكران



(الوالى والشاهد السكران )



يحكى ان والى من الولاة فى عهد الملك الناصر يقول :
    إن أعجب ما وقع لى فى مدة ولايتى أنه كان بهذه المدينة رجلان يشهدان على الدماء والجراحات (شهود امام القاضى )وكان مولعين بشرب الشراب وما قدرت عليهما بحيلة لأنتقم منهما بها وعجزت عن ذلك . فأوصيت الخمارين والنقليين والفكاهنيين والشماعين أن يخبروننى عن هذين الشاهدين متى كانا فى مكان يشتريان سواء كان مع بعضهما أو متفرقين وأن اشتريا أو اشترى أحدهما منهم شيئا من الأشياء المعدة للشراب فلا يخفوه عنى ، فقالوا : "سمعا وطاعة "،وفى يوم من الأيام حضر إلى رجل ليلا وقال :" يا مولانا اعلم أن الشاهدين فى المكان الفلانى فى الدرب الفلانى فى دار فلان وأنهما غارقين فى الشراب ومخمورين  .
     فقمت وتخفيت أنا وغلامى ومضيت إليهما منفردا من غير أحد معى غير غلامى ، ولم أزل  ، ماشيا حتى وقفت على الباب وطرقته فأتت إلى جارية وفتحت لى الباب وقالت :" من أنت ؟" فدخلت ولم أرد عليها جوابا ، فرأيت الشاهدين وصاحب الدار جلوسا وعندهم من الشراب شئ كثير ، فلما رأونى قاموا إلى وعظمونى وأجلسونى فى صدر المقام وقالوا لى : " مرحبا بك من ضيف عزيز ونديم ظريف "، واستقبلونى من غير خوف منى ولا فزغ .
     وبعد ذلك قام صاحب الدار من عندنا وغاب ساعة ، ثم عاد ومعه ثلاثمائة دينار وليس عنده من الخوف شئ وقالوا :" اعلم يا مولانا الوالى أنك تقدر على أكثر من أذيتنا  وفى يديك أمورنا ولكن لا يعود عليك من ذلك إلا التعب ، فالرأى أن تأخذ هذا القدر وتستر علينا فإن الله تعالى اسمه الستار ويحب من عباده الستارين ولك الأجر والثواب ".
    فقلت فى نفسى : خذ هذا الذهب منهم واستر عليهم فى هذه المرة وإذا قدرت عليهم مرة أخرى فانتقم منهم ، فطمعت فى المال وأخذته منهم وتركتهم وانصرفت ولم يشعر بى أحد ، فما أشعر فى ثانى يوم إلا ورسول القاضى جاء إلى وقال :" أيها الوالى تفضل كلم القاضى فإنه يدعوك ". فقمت معه ومضيت إلى القاضى ولا أعلم ما سبب ذلك .

     فلما دخلت عليه رأيت الشاهدين وصاحب الدار الذى أعطانى الثلاثمائة الدينار جالسين عنده ، فقام صاحب الدار وادعى على بثلاثمائة دينار ، فما وسعنى إلا الإنكار ، فأخرج مسطورا وشهد فيه هذا الشاهدان العدلان على بثلاثمائة دينار ، فثبت ذلك عند القاضى بشهاهدة الشاهدين فأمرنى بدفع ذلك المبلغ ، فما خرجت من عندهم حتى أخذوا منى الثلاثمائة دينار ، فاغتظت ونويت لهم كل سوء وندمت من عدم تنكيلهم وانصرفت وأنا فى غاية الخجل ، وهذا أعجب ما وقع لى فى مدة ولايتى ". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق